أنخفاض معدلات أسعار النفط عالمياً, بين المستفيد والخسران العراق أكبر الخاسرين

لأول مرة ومنذ أكثر من 4 سنوات تهبط أسعار خام برنت إلى أدنى مستوياته في 47 شهرا ، ليتراجع بمعدل أقل من 85 دولار للبرميل، و بمقدار 25 دولار أي بمعدل يوازي 20%, من السعر السابق في أعلى مستوياته وهو 115 دولار في شهر السادس لهذا العام.
تأثيرات هذا الأنخفاض عالمياً تسجل على أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينخفض بنسبة 0.5-1.5٪. أن أسعار الأسهم في البلدان الغنية تنخفض بنسبة 3-7٪، وسوف يكون التضخم لا يقل عن نصف نقطة أعلى في معدلات الأسواق العالمية.
عدة اسباب كان لها الدور في هذا الأنخفاض المفاجئ منها الأنخفاض في حركة الاقتصاد العالمي ومعدلات الاستثمار مما أدى لتراجع الطلب على الطاقة.
ما يحصل في المنطقة العربية والشرق أوسطية من مشاكل عاملاً أخر يضاف, الأضطراب في المشهد “الجيوسياسي” في المنطقة العربية، بالإضافة لوجود تلميحات حول رغبة المملكة السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، بتخفيض سعر النفط عمدا، لإعاقة وعرقلة منتجين النفط الأمريكين ووقف معدلات نمو الإنتاج المرتفعة لديها، خاصة من النفط الصخري، لأن انخفاض سعر برميل النفط عن 80 دولار يقلل أرباح الشركات الأمريكية بشكل يؤثر على الانتاج خاصة المنتجة للنفط الصخري عالي التكلفة.
هناك توقعات بزيادة الإنتاج والمعروض في حالة رجوع الانتاج الليبي لسابق عهده، أو التوصل لإتفاق نووي مع إيران يمكنها من زيادة صادراتها النفطية وفك الحصار الدولي عليها. وهذا لايعول عليه كثيراً كعامل مؤثر في الآونة الحالية.
من الممكن إن تتأثر معدلات النفط بأنخفاض أكثر وفي حال انخفاض الأسعار لما دون 80 دولار للبرميل، سيكون تأثيراته قاسية على الدول العربية المصدرة للنفط والتي تعتمد صادرات النفط المورد الرئيسي للموازنات العامة.
هناك دول منها السعودية, ايران, ليبيا, الجزائر, قطر, الكويت, ماليزيا, روسيا, ستتأثر بهذا الأنخفاض في معدلات النفط ولكنها تمتلك في ذات الوقت احتياطات مالية ضخمة تمكنها من إدارة نفقاتها العامة الكبيرة على الأجل القريب.
لكن في بلد من مثل العراق, وما يمر به من حالة أقتصادية يتفرد بها على مدى تأريخ الموازنات وكيفية أدارتها يشكل هذا الأنخفاض (أعصار تسونامي) ليس من السهل التعافي منه. وسيكون العراق من أشد المتضررين في هذا الأنخفاض . التأثيرات المباشرة التي ستظهر على معدلات نمو الموازنة العامة في العراق وصعوبة تحمل النفقات التشغيلية في ظل فاتورة عالية التكاليف لأعادة بناء المنظومة العسكرية, صعوبة في دعم القطاعات والمشاريع الأستثمارية لموؤسسات الدولة لهذا العام وعام 2015 بسبب الحاجة لتغطية مصاريف الدولة والموؤسسات, بمعنى من المتوقع إن نشهد أرتفاع حاد بمعدلات الموازنة التشغيلية مقابل نسب معدلات الموازنة الأستثمارية مما سيربك تعافي واعادة بناء المنظومة الأقتصادية, مع التوقع بأن يتضاعف معدل العجز في الموازنة ليصل الى 50 مليار دولار وذلك لعدة أعتبارات:-
 معدلات الصرف من أيرادات الدولة منذ بدء العمليات العسكرية في غرب العراق وشماله غير محسوبة ولاتوجد تقديرات حقيقة. وأرتفاع فاتورة الحرب ضد الأرهاب (داعش وغيرها)
 الفشل في أقرار موازنة 2014 ولايمكن في هذا الوقت من السنة الشهر العاشر من السنة المالية أعادة النظر في تقديرات الموازنة بحساب معدلات اسعار برميل النفط.
 الأنخفاض المربك في معدلات التصدير بسبب العمليات الأرهابية في المناطق الغربية, والشمالية, وعدم أستجابة أقليم كردستان لأيجاد حل سريع وناجح في التعاون لحل هذه المشكلة في الأنخفاض, آخذين بعين الأعتبار حقول نفط الجنوب لم تتمكن من تعويض النقص في معدلات الأنتاج والتصدير. وهذا الحال لم يجد طريقه للحل لحد هذه اللحظة.
 معدلات الهدر في الموازنات التشغيلية من قبل موؤسسات الدولة وتراكماتها منذ السنوات الماضية. والتي تٌعد من الأعلى بمستوياتها عالمياً.
 عدم أعتماد أستيراتيجية أستثمار الطاقة بشكل (الأستثمار المزدوج) – بمعنى النفط مقابل مشاريع حيوية في داخل البلد, لحل جملة من التعثرات في أعادة بناء وتطوير البنية التحتية للمنظومة الأنتاجية للنفط والطاقة وغيرها من القطاعات المهمة الأخرى مثل الصناعة, الأستثمار, التجارة, والصناعات الأستخراجية, والزراعة.
كحلول مقترحة للخروج من هذه الأزمة الأقتصادية , كما في أكثر من دراسة كنا قد أشرنا للخطأ الكبير الذي ترتكبه الأدارة العليا للدولة في بناء موازنة الدولة على أساس اسعار نفط عالية أو ما يدرج ضمن سوق اسعار العالمية, وعدم الأستعانة بأستيراتيجية (الأسعار المتحفظة) بمعنى بناء تقديرات الموازنة العامة التي تعتمد على معدلات تصدير النفط الخام وأسعار النفط العالمية يجب إن تتبع سياسة أعتماد أسعار تحفظية (أقل من أسعار السوق العالمية) لتفادي أي كارثة أو أنخفاض في معدلات أسعار النفط العالمية كما حصل في عام 2008 وما يحصل الأن. وهذا يجب إن يكون بالتزامن مع أدارة مثالية للموازنة التشغيلية لموؤسسات الدولة وتوازنها في صرف هذه الموزانة مع عمل وأنتاج الموؤسسات العامة.
أعادة النظر في القطاعات الغير منتجة والتي تشكل عبء على ميزانية الدولة, التخلص من الأدارات الفاشلة لموؤسسات الدولة المهمة وأعادة النظر في اسلوب الأدارة وأنظمته, القضاء على الفساد المتفشي ولازال في موؤسسات الدولة.
أنتهاج اسيتراتيجية ثابتة في بناء الموؤسسات الأقتصادية للدولة, وأعتماد الأساليب الحديثة العالمية في هذا البناء والتخلص من بيروقراطية (المحاصصة).
التعافي من هذه الآزمة ستحتاج, أدارة صحيحة تدرك حجم الكارثة وكيفية التعامل معها.
المهندس علي جبار الفريجي
مختص في أدارة موؤسسات الدولة في الآزمات – جامعة هارفارد